تاريخ شرق الجزيرة العربية قبل ظهور الاسلام



يبدو أن المنطقة الشرقية من جزيرة العرب كانت الطريق المسلوكة بين الجزيرة وبلاد الرافدين, لذا فإن الشعوب التي كانت تمر منها يستقر بعضها فيها, ففي الوقت الذي استقر فيه السومريون في جنوبي العراق, قامت دولة ديلمون على سواحل الخليج العربي الغربية, وقد عمل أبناؤها بالتجارة وركوب البحر, ثم خضعوا لمملكة عاد التي قامت في الأحقاف, وامتد سلطانها آنذاك على أكثر جهات جزيرة العرب, ولما عتت عاد عن أمر ربها, وكفرت بما جاء به نبيها هود عليه السلام, وكذبته أهلكها الله بالريح العقيم, بعد أن اعتزل هود ومن آمن من قومهم, وأورثهم الله الأرض, فتكاثر البشر, ثم عاد الكفر من جديد, وخرجت جماعات من الجزيرة باتجاه بلاد الرافدين, وهم الأكاديون, وفر من وجههم سكان المنطقة الشرقية, وانتقلوا نحو الشمال ثم نحو الغرب, واستقروا في بلاد الشام, ومنهم العموريون, ومن استقر على سواحل البحر الأبيض المتوسط عمل بمهنته الأولى بالتجارة وركوب البحر , وهم الفينيقيون, وبسط الأكاديون نفوذهم على بلاد الرافدين وشرقي جزيرة العرب.

وغدت البحرين أو المنطقة الشرقية تتبع الحكومات اليت تقوم في جنوبي العراق أو تسيطر عليها, فدانت للعيلامنيين, والبابلين والمصريين والآشوريين والفرس ثم خضعت لدولة معين التي قامت في بلاد اليمن وقوي أمرها, لما ضعفت قام فرع من الكلندانيين الذي يحكمون العراق وأسسوا حكومة محلية, كانت قاعدتها مدينة جرا أو جرهاء وتقع خلف ميناء العقير الحالي على بعد أربعين كيلومترا منها, وقد عمل أهلها بالتجارة وحاول السلوقيون خلفاء الإسكندر الذين بسطوا نفوذهم على الهلال الخصيب عزو هذه الحكومة المحلية, ولكنهم فشلوا في ذلك ونافس حكام البحرين السبئيين حكام اليمن في تجارتهم, وبعد مدة أفل شأن حكام البحرين.

ثم وصل إلى المنطقة بعض فروع الأزد وقضاعة وشكلوا حلفا فيما بينهم للتناصر والقيام بأمر المنطقة, وقد عرف جماعة الحلف باسم التنوخيون, ثم جاء بنو عبد القيس من تهامة عندما توزع أبناء معد هناك وحدث قتال بين السكان القدامى والقادمين الجدد الأمر الذي جعل التنوخيين يهاجرون إلى العراق, ويؤسسون دولة لهم في الحيرة والأنبار عرفت باسم الدولة التنوخية, ولما قتل جذيمة الأبرش بحادثة الزباء, وتولي ابن اخته عمرو بن عدي اللخمي بعده, عرفت الدولة باللخمية, وقد كانت تحت النفوذ الفارسي كسابقتها, وعندما قتل كسرى النعمان الثالث آخر ملوكها وتولي إياس بن قبيصة الطائي مكانه, وحدثت في هذه الإثناء معركة ذي قار واستمر حكم هذه الأسرة حتى جاء الإسلام.
اقام بنو عبد القيس في البحرين , كما نزلها جماعة من الفرس المجوس, وقد اعتنق بعض منهم اليهودية, وأقاموا هناك, وكان المنذر بن ساوى واليا على المنطقة, وتدعمه دولة فارس, أو نستطيع أن نقول إنه كان واليا من قبل الفرس.

وأشرقت شمس الإسلام وكان أول مطلعها في مكة, وبدأت دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله هناك, واوفد المنذر بن عايذ  عمرو بن عبد القيس مستفسرا عن رسول الله الذي سمع خبر ظهور نبي في تهامة من أحد أصدقائه الرهبان , وقد التقى عمرو بن عبد القيس برسول الله واسلم كما اسلم خاله المنذر بن عايذ بعد عودة مبعوثه وقد كتما ايمانهما وذلك قبيل الهجرة بقليل.

لم تنجح دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله في مكة, فانتقل إلى المدينة بعد اشتداد أذى قريش له ولأصحابه الكرام, وفي المدينة بدأت الدعوة تنموا تدريجيا وباستمرار وبعد ست سنوات تخلصت من اكبر خصمين لها, اذ تخلصت من اليهود في المدينة, وعقدت صلح الحديبية مع قريش, بعد ذلك بدأ رسول الله صلى الله عليه وآله يرسل الرسل إلى الملوك والحكام, وكان منهم المنذر بن ساوى أمير البحرين, وقد أرسل له العلاء بن الحضرمي ومعه كتاب وفيه " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى, فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو, أما بعد: فإن من صلى صلاتنا ونسك نسكنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا, فذاك المسلم له ما لنا وعليه ما علينا له ذمة الله ورسوله من احب ذلك من المجوس فهو آمن ومن أبى فعيله الجزية"

فلما دخل العلاء بن الحضرمي على المنذر دفع إليه الكتاب, فلما قرأه قال له العلاء يا منذر إنك عظيم العقل في الدنيا فلا يصغرن بك عن الآخرة, إن المجوسية شر دين ليس فيها تكرم العرب ولا على أهل الكتاب ينكحون من يستحى من نكاحه ويأكلون ما يتكره من أكله, يعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة, ولست بعديم الرأي, فانظر لمن لا يكذب أن لا تصدقه, ولمن يخون ألا تأتمنه, ولمن لا يخلف ألا تثق به , فإن كان أحد هكذا فهو هذا النبي الأمي الذي لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهى عنه أو ليت ما نهى عنه أمر به وازاد في عفوه أو نقص من عقوبته إن كان ذلك منه إلا على امنية أهل العقل وفكر أهل البصيرة"

فقال المنذر" قد نظرت في هذا الذي بيدي من الملك فوجدته للدينا, ونظرت في دينكم فوجدته للدنيا والآخرة فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت" فأسلم وحسن إسلامه وكتب على رسول الله صلى الله عليه وآله يقول " أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل هجر فمنهم من أحب الإسلام ودخل فيه ومنهم من كرهه بأرضي مجوس ويهود فاحدث لي يا رسول الله في ذلك امرك".
فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك فإني أحمد الله الذي لا أله الا هو وإنه من ينصح فلنفسه ومن يطع رسلي فقد أطاعني ومن نصح لهم فقد نصح لي وإن رسلي قد أنثوا عليك خيرا, وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما اسلموا عليه وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك ومن اقام على مجوسيته او يهوديته فعليه الجزية". وولى رسول الله صلى الله عليه وآله العلاء بن الحضرمي على جمع الجزية.

وفي عام 7 للهجرة وفد إلى المدينة جماعة من بني عبد القيس بإمرة المنذر بن عايذ وقبل وصولهم قال رسولا لله صلى الله عليه واله لاصحابه " سيطلع عليكم من ها هنا ركب هم خير آهل المشرق " ولما وصلوا إلى المدينة رحب بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال " مرحبا بالقوم لا خزايا ولا ندامى "ودعا لهم " اللهم اغفر لعبد قيس " وأوصى بهم خيرا فقال " يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشبه الناس بكم في الإسلام ... أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين"

وفي السنة التاسعة ارسل رسول الله صلى الله عليه وآله ابان بن سعيد ابن العاص لجمع الجزية بجانب العلاء بن الحضرمي فكان كل واحد منهما على جهة من جهات البحرين يجمع المال منها.
وفي السنة العاشرة وفد الجارود المعلي بن عمرو بن حنش العبدي على رسول الله صلى الله عليه وآله في المدينة وكان الجارود نصرانيا فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وآله الإسلام فأسلم.

وتوفي المنذر بن ساوى أثناء مرض رسول الله صلى الله عليه وآله

تعليقات