أثر الاسراء والمعراج على كتابه ملحمة الكوميديا الإلهية




النهضة الأوروبية أو ما يسمى بالرنيسانس التي حصلت في اوروبا بين القرن الرابع عشر والقرن السادس عشر تحولت أوروبا بموجبها من عصر التخلف والعبودية إلى عصر الحرية والمنطق العلمي, فأوروبا قبل النهضة كانت تعيش في عصر القرون الوسطى, وهي مدة مظلمة كان كل شيء بيد الكنيسة والإنسان كان قنا في إقطاعيات الأمراء يباع ويتشرى كالحيوانات لا يحق له التفكير أو الاعتراض أو التعبير عن ذاته, حيث أن الكنيسة كانت مرتبطة بالإقطاع ولا يوجد تعليم سوى التعليم الكنائسي, حيث درس الأفكار الساذجة والخرافية وما تقوله الكنيسة ح مقدس يجب إتباعه, وللخلاص من هذا الواقع الحالك السواد كان يعني قيام ثورات فكرية واجتماعية وسياسية ودينية وثقافية كي يتحول الإنسان من حاله السيئة إلى المتخلفة الجامدة إلى حال آخر.

وهذا ما حصل فعلا في عصر النهضة, فقد حصل الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر وكارفن, وحصلت الثورة الاجتماعية على يد الحركة الإنسانية وحصلت الثورة الاقتصادية على يد آدم سميث في الانتقال من عصر الإقطاع إلى عصر الرأسمالية, اذن حصلت ثورات كثيرة عصفت بالمجتمع الأوروبي لمدة ثلاثة قرون وحولت هذه المجتمعات إلى مجتمعات حرة التفكير, حرة الإقتصاد, وحرة الانتماء, ولكن كل هذه التطورات التي حصلت في أوروبا في عصر النهضة ارتكزت على القضاء على مفهوم واحد أ, على مرتكز كان الأساس في تخلف وتأخر أوروبا, ألا هو الخضوع المطلق التام والمقدس لكل ما تقوله الكنيسة أو يقوله البابا, فلم يكن يجرؤ أحد على قول يتناقض مع ما تقوله الكنيسة, وإلا سيقتل أو يحرق , ولهذا أصبحت مهمة محاربة سيطرة الكنيسة والبابا تعد البداية الحقيقية لعصر النهضة.

فقد كان دانتي اثقف مثقفي عصره ليس في ايطاليا فقط بل أوروبا كلها, وتجمعت في عقلية هذا المثقف معاناة وضغوط كل الأجيال الأوروبية الطامحة للتغير, وعبر عن هذه الطموحات من خلال رواية الكوميديا الإلهية, وهي قصة مكونة من ثلاث اجزاء يذهب فيها دانتي باحثا عن حيبيته باتريس بورتناري التي ماتت في عمر السادسة عشر, لذلك ألف القصة وكأنه يتخيل ذهابة إلى العالم الآخر بحثا عنها, فينتقل من النار إلى الأعراف ثم إلى الجنة, وأثناء تجواله في النار بحثا عنها يصادف هناك كثير من البابوات ورجال الكنيسة, ثم ينتقل إلى الأعراف بحثا عنها ثم يجدها أخيرا في الجنة, وتنتهي القصة بهذه النهاية السعيدة هو لقاؤه بحبيتته باتريس بورتناري, وذلك سميت هذه القصة بالكوميديا, والكوميديا تعني الأغنية أو القصة التي تنتهي نهاية سعيدة, وليست كما هو معروف الآن بأنها الضحك والتهريج, والتراجيديا هي كل قصة أو اغنية تنتهي نهاية حزينة.

وبما أنه التقى بحبيبته أخيرا فاكنت هي كوميديا, ولكن كلمة الإهية أضيفت إلى القصة بعد سنوات من وفاة دانتي والذي وضعها هم طلاب محبو دانتي لأن القصة تجري في جو الهي مقدس ويجهز بذلك هؤلاء الناس في زمن لا يجرؤ احد ين يتلفظ بكلمة بابا, ولهذا كانت قصة دانتي هذه الشرارة الأولى التي حفزت عقول وقلوب الناس لشق عصا الطاعة والخنوع للكنيسة وحفز الناس للتفكير في آراء جديدة مغاير لما تقوله خرافات الكنيسة والتي نضجت فيما بعد لحصول الإصلاح الديني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

ولكن الأورويين كانوا يتصورون سابقا أن هذه القصة في من بنات أفكار دانتي ويرفضون أي حديث على تأثر دانتي في هذه القصة بقصة الإسراء والمعراج للرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله, حتى جاء أحد المثقفين الفرنسيين والذي يدعى بلوشيه وكتب مقاله في احدى المجلات الأدبية وضع فيها تأثر دانتي بقصة الإسراء والمعراج, وقد قامت أوروبا ولم تقعد احتجاجا على رأي بلوشيه فصدرت الكثير من الكتب والمقالات التي تفند رأي بلوشيه, فالبعض قال أن الإسراء والمعراج كانت مكتوبة بالعربية ولم تترجم في زمن دانتي, ودانتي لا يعرف العربية, ولم يزر البلاد العربية ولم يلتق بمسلم, فكير تأثر بهذه القصة؟!

ولكن في عام 1919 جاء احد المثقفين الأسبان وكتب رسالة دكتوراه في جامعة مدريد أكد فيها هذا الكاتب الذي يدعى آسيوس بالاسيوس أن دانتي قد تأثر بالإسراء والمعراج, حيث اثبت بلاسيوس أن دانتي كان قد تتلمذ على يد أستاذ فلورنسي إيطالي كان مثقفا وكان سفيرا لفلورنسا في البلاط الاسباني, وهناك جمعا كثيرا من الكتب عن الحضارة العربية في الأندلس عندما كان العرب موجودين في الأندلس في القرن الرابع عشر, فقد ترجم كتاب ابن عربي " فتوحات مكية " إلى اللغة اللاتنينية والفرنسية, وفي هذا الكتاب فصل خاص عن الإسراء والمعراج, فعندما عاد السفير الفلورنسي إلى فلورنسا حمل معه الترجمة اللاتينية والإيطالية لهذا لاكتاب, وكان دانتي قد قرأ كل كتب استاذه الفلورنسي التي جلبها من الأندلس.

وخلاصة القول في أثر القفافة العربية في النهضة الأوروبية ان العلماء في العصر الإسلامي قاموا بدورهم في بناء النهضة العلمية العالمية, وقدموا لأوروبا زاد نهضتها, وكانوا كما قال البنديت جواهر لال نهرو في كتابه " لمحات من تاريخ العالم" كانوا بحث آباء العلم الحديث, وأن بغداد تفوقت على كل العواصم الأوروبية - عدا قرطبة - عاصمة أسبانيا العربية, وأنه كان لا بد من وجود ابن الهيثم وابن سينا والخوارزمي والبيروني لكي ينظهر جاليليو وكلبر وكوبرينق ونيوتن.


المصادر
كتاب أصول التاريخ الأوروبي الحديث تأليف أشرف صالح محمد سيد

تعليقات