عصر النهضة في اوروبا



إن فترة الانتقال من العصور الوسيطة إلى العصور الحديثة يطلق عليها عصر النهضة وقد تميزت هذه الفترة الممتدة من القرن الرابع عشر إلى السادس عشر الميلادي بقيام حركة واسعة من أجل إحياء العلوم والمعارف على أساس الرجوع إلى مخلفات الآثار الإغريقية والرومانية القديمة ودراستها, ومقد بدأت النهضة الأوروبية في مدن شبه الجزيرة الإيطالية وازدهرت فيها ثم انتقلت إلى الدول الاوروبية وتعد حركة الكشوف الجغرافية والإصلاح الديني والصراع المذهبي نتائج للنهضة الأوروبية.

خلال عصر النهضة قام عدد كبير من العلماء والفنانين الأوروبية وفي ايطاليا خاصة بدراسة علوم بلاد اليونان وروما القديمة وفنونها, أراد هؤلاء بعث روح الثقافتين الإغريقية والرومانية في أعمالهم الفنية والأدبية والفلسفية, وكانت الثقافتان اليونانية والرومانية القديمتان تعرفان غالبا بالتراث الكلاسيكي , وكان العرب قد أولوا اهتماما بالعصور الإغريقية والرومانية, وبخاصة في مجال العلوم, وكانت مثل هذه المعارف قد أصبحت مفقودة في أوروبا, لذلك كان الإسهام العربي الكبير في نقل أغلب إنجازات الإغريق والرومان وما أضافوه من المخترعات والعلوم هو الأساس الذي فجر النهضة في اوروبا, وكان عصر النهضة بعثا لهذه الثقافات ولذلك يعرف أيضا بأنه إحياء العصور القديمة أو إحياء المعرفة.

تداخل عصر النهضة مع نهاية حقبة في التاريخ الأوروبي تعرف بالعصور الوسطى, بدأت في القرن الخامس الميلادي. رفض قادة عصر النهضة عددا كبيرا من مواقف العصور الوسطى وأفكارها. فقد اعتقد مفكرو أوروبا في العصور الوسطى, على سبيل المثال, بأن الواجب الرئيسي للناس هو الصلاة والاهتمام بخلاص أرواحهم, وأن المجتمع مملوء بالمغريات الشريرة, لكن مفكري عصر النهضة ركزوا, من ناحية أخرى, على مسؤوليات الناس وواجباتهم إتجاه المجتمع الذي يعيشون فيه, واعتقدوا أن المجتمع يستطيع أن يجعل الناس متحضرين أكثر مما يجعلهم أشرارا.

كانت دراسة اللاهوت في العصور الوسطى أكثر فروع المعرفة أهمية, لكن عددا كبيرا من مفكري عصر النهضة اعاروا اهتماما أكبر للدراسات الإنسانية, ومحصوا الإنجازات الكبرى للثقافات المختلفة وبخاصة ثقافتي اليونان وروما القديمة, وتأملوا طويلا مؤلفات العرب وشروحهم على ما نقلوه.

رسم فنانو العصور الوسطى أشكالا انسانية كانت تدبو متهجمة وغير واقعية, وغالبا ما تخدم أهدافا دينية رمزية, لكن فناني عصر النهضة ركزوا على جمال الجسم الإنساني, وحالوا ان يجذبوا الانتباه إلى سمو الكائنات الإنسانية وعظمتها في رسمومات ومنحوتات نابضة بالحياة.

جرت المتغيرات التي أحدثها عصر النهضة تدريجيا دون أن تحدث تأثيرا مباشرا على معظم الأوروبيين, فعندما وصلت هذه الحركة إلى اوجها, ما بين أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلاديين, لم تكن الأفكار الجديدة التي جاءت بها مقبولة إلا من عدد قليل من الناس , وقد ثبت أن تأثير عصر النهضة في الأجيال التالية ,كانت كبيرا جدا في ميادين عديدة, بدءا من الفن والأدب إلى التربية والعلوم السياسية والتاريخ, وبناء على هذه الحقيقة وافق معظم العلماء منذ مئات السنين على ان الحقبة الحديثة من التاريخ الإنساني بدأت مع عصر النهضة.

تعليقات