التطبير جاء من تركيا





بحث الاستاذ طالب على الشرقي احد مؤرخي النجف ممارسة التطبير الدخيلة في كتابه " النجف الاشرق , عاداتها وتقاليدها " فقال : أهمل الكتاب و المؤرخون تثبيت تار يخ ممارسة عملية التطبير في العراق, وكل ما قيل لا يتعدى التقدير , وهناك من يربط بين التطبير في العراق وبين العبادات الدموية القديمة , وهذا أمر يحتاج إلى دليل بعد افتقاره للسند التاريخي إضافة إلى ان الدين الإسلامي يخلو من البحث عن مثل هذه الظاهرة بل وينهى عن كل ما يؤذي الجسد, ويذهب إلى أبعد من ذلك فيسقط بعض الواجبات الدينية عند الخوف من حصول الأذى.

كل ما يعرف عن التطبير في النجف هو الشائع على السنه معمري البلدة, وهو ان الشيعة من القفقاسيين عندما يأتون إلى زيارة الأئمة في كربلاء والنجف كانوا يستخدمون ظهور الحيوانات في سفرهم, وأسلحتهم السيوف, وتستغرق مدة السير من ثلاثة إلى اربعة أشهر حتى يصلوا إلى العتبات المقدسة وكلهم لهفة لرؤيةقبور الأئمة ونفوسهم مفهمة بالحب لآل البيت, فصادف أن دخلت إحدى قوافل الزائرين القفقاسيين إلى كربلاء يوم العاشر من المحرم وكانت المدينة صورة صادقة للحزن, لقد سودت المساجد والجوامع وواجهات المحال والبكاء وللطم على الائمة ومقتل الحسين يقرأ في الشوارع أو في الصحن الحسيني الشريف.

واتقف ان يكون أحد القفقاسيين جاهلا بهذه الامور فشرح له أحد العارفين باللغة التركية معركة الطف وأظهر له بشكل لا يطيقه قلب محب الصورة المؤلمة التي مرت على الحسين ومن معه, فأثر ذلك في نفسه وأفقده صوابه فسل سيفه وضرب رأسه ضربة منكرة مات على أثرها وتحولت مواكب العزاء إلى تشييع ذلك الرجل الزائر.

استحسن أحد رؤساء مواكب العزاء وكان تركيا هذه العملية فنظم في السنة التي تلت تلك الحادثة عزاء مكونا من مجموعة صغيرة من الافراد يلبسون الأكفان ويحملون السيوف, ذهب بهم إلى المكان المعروف اليوم باسم خميكاه وجاء بحلاق فحلق رؤوسهم وجرح كل فرد منهم جرحا بسيطا في رأسه وخرجوا بهذه الهيئة متجهين إلى مرقد الحسين وهم يندبون يا حسين حتى وصلوا إلى الصحن الشريف وبعد عويل وبكاء تفرقوا.

ثمة رواية أخرى تفيد أن الشيعة من اتراك اذربيجان وتبريز وقفقاسية قدموا العراق لزيارة العتبات المقدسة وذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي, فدخل جماعة منهم في العاشر من محرم الحرام إلى صحن الحسين عليه السلام واجتعوا قرب باب المعروف اليوم بالزينبية ومعهم القامات وهو سلاحهم التقليدي والذي يلازمهم خلال سفرهم ثم أقاموا مجلسا للتعزية في المكان المذكور وأخذ مقرؤهم يشرح لهم واقعة الطف باللغة التركية بشكل أهاج مشاعرهم, فأخرجوا قامتهم وأخذوا يضربون رؤوسهم دون ان يحلقوها وبشكل عنيف حول صخرة بارز في المكان المذكور , وقد توفي اثنا عشر شخصا من هؤلاء الأتراك بعد عملية التطبير المذكور مباشرة حيث لم تسعفهم الجهات الصحية في حينه لأنها لم تتوقع إقدامهم على مثل هذا العمل ولم تتهيأ له.

نستخلص من الروايتين أن التطبير لم يكن معروفا قبل حادثة الزوار الأتراك وإنما هو حدث طاريء فرضته الظروف النفسيةالتي مر بها أولئك الزوار.

استحسن بعض رؤساء المواكب العملية فاخرج موكبا صغيرا للتطبير واقفتى اثره جماعة من الأتراك الموجودين في النجف فشكلوا عزاء في النجف قبل ما يقرب من مئة وثلاثين سنة حسب ما رواه بعض معمري البلدة وكان العزاء الأول والوحيد وكان متقصرا على الأتراك انفسهم, فمل يسمحوا لأي شخص غير تركي بالاندماج معهم وكذلك لم يسمحوا لشبابهم بالاشتراك في العزاء في الغالب.

وكانوا يخرجون ليلة العاشر من المحرم وهم يلبسون الملابس القفقاسية من الفرو على الرأس وعلى الصدر دميري يصل إلى حد الركبة ويكون اسود اللون وبنطلون يسمى كمجرين في الحزام خيط خراطة وفي الأرجل بوتين ويعلق في الحزام مسدس يقال له بشتو وكذلك القامة وهذه كلها آلات جارحة تختلف فيما بينها بالشكل والحجم

وفي صبيحة اليوم العاشر وقبل بزوغ قرص الشمس يذهبون إلى بيت بحر العلوم وعليهم الأكفان ويجرحون رؤوسهم جروحا بسيطة ويأتون على شكل موكب منظم إلى الحصن الشريف ويعتبر كل من القهواتي كل محمد التركي ومشتي باقر الزورخانجي وشخص ثالث كان طباخا من الأعضاء البارزين أو المؤسسين لعزاء الترك.

واستمر هذالعزاء الوحيد مدة طويلة ولكنه لم يبق وحيدا بل انبى جماعة من النجفيين لتنظيم مواكب مشابهة فشكل خليل الأعمى الايراني الاصل موكبا وشكل ميري بن أبي الدلال الايراني موكبا آخر ونظم ناجي خشة من آل السيد سلمان عزاء وانشق السيد عباس على الاتراك وشكل عزاء مستقلا عرفه باسمه.

وكان على أكبر التركي من الأشخاص البارزين في عزاءالتبطير ويذكر كل من يتحدث عن التطبير من النجف لتحديه أوامر الأتراك واقتحامه السجن في سراي الحكومة واخراج السجناء واشراكهم في التطبير حتى صار في كل سنة يطلق سراح بعض المحكومين مددا قصيرة تكريما للعزاء.

تعليقات