أسطورة أدون وعشتروت







تعنيركلمة أدون باللغة السامية " الرب أو السيد " والشخص " أدونيس " هو الإله الشاب في الثالوث الديني المقدس الذي تدور حوله أسطورة البعث والموت والخصب في جبيل " بيبلوس " وفي بعلبك, حيث كان معروفا أيضا باسم " تموز " عند البابليين أو " اودنيس " عند اليونانيين والرومان, امتدت عبادته إلى معظم المدن الفينيقية  وعرف بأسماء أخرى فكان " أشمون " في " صيدون " صيدا أو " ملكارت " في صور, وكان معادلا " اوزوريس " في مصر , وتواترت هذه الأسطور من قبل العديد من المؤخرين والرحالة القدامى في تلك الفترات التاريخية وما بعدها, حتى بعد اضمحلال الطقوس القداسية له كإله, وقد تمت صياغتها وسبكها في قوالب مختلفة وحسب الآلهة والعادات المحلية في كل دولة أو مدينة.

تدل بعض ترجمات الكتابات على الرقم الفينيقية إلى أن " أدون " كان ابن الإله " إيل " وزوجته الإلهة " عشيرة " حيث كان النظير لهما في الثقافة اليونانية الإله " زيوس " زوجته الإلهة " هيرا " وقد تجسدت عشيرة بشكل شجرة, وانجبت أدون بعد تسعة أشهر, في سواحل بلاد الشام, وهذا يعطينا صلة أساسية بين الأم الكبرى والشجرة وفكرة الحمل والولادة التي كانت ضمن الطقوس المقدسة في عبادة عشتار ونظيراتها في باقي الحضارات القديمة, وكانت فكرة الثالوث موجودة قبل البعثة التبشيرية للسيد المسيح بمئات السنين إذا لم تكن بالآلاف , أما في قبرص التي كانت تعد حينها أرضا سورية ونجمة الهلال الخصيب الممتد من السواحل التركية الشمالية إلى ساحل سيناء في أقاصي الجنوب فقد وجدت منقوشات أخرى تحكي قصة إله ولد من ملك الجزيرة وابنته, بالنسبة للقرطاجيين فإن أدون هو ابن " فينيكس " والحورية " ألفيسيبة " فهو أدونيس في الأساطير اليونانية والرومانية , حيث نجد عدة روايات مماثلة , لكن مع أسماء مختلفة كما ذكرنا قبل بضعة سطور.

ومع ذلك, تتفق كل هذه القصص على أن ولادة أدون " أدونيس " هي نتيجة علاقة بين ملك شرق البحر والأبيض المتوسط وابنته " العلاقة المحرمة " وهناك نسخة تتحدث عن " ثياز " ملك أشور وابنته " سميرنا " وأخرى تذكر " سينسيراس " ملك قبرص وابنته " ميرا " حيث تقول الأسطور :

كان " ميرا " معروفة بجمالها الرائع , ترعرعت في منزل والدها الذي بلغ الغرور عنده إلى درجة دفعته ليدعي أمام البعض من زواره بأن جمال ابنته يتجاوز بهاء عشتروت " أفروديت الإغريقية وفينوس الرومانية " وصل هذا الكلام إلى عشتروت, وغلت مراجل الغيرة في قلبها , فقررت الانتقام من الملك ملهمة لميرا بالوقوع في الحب من والدها, عانت ميرا من هذا الغرام وحاولت الانتحار, لكن إحدى وصيفاتها " هيبوليتوسل " استدركت الوضع ووعدت سيدتها خوفا عليها بمساعدتها للقرب من الملك دون ان يدري بأنها ابنته, فجاءت فترة أعياد في المملكة فتحايلت الخادمة على الملك في الظلام الليالي السوداء , لوضع ميرا في فراشه, وذلك لعدة ليال , حملت ميا من والدها الملك, وعندما اكتشف هذا الأخير الحقيقة , سعى رأسا لقتل ابنته, هربت ميرا من الخوف والخجل, وتوسلت الآلهة لإنقاذ حياتها والحفاظ على طفلها, بعد معرفتهم بما حصل ولا سيما بدور الإلهة عشتروت, أشفقت الآلهة على ضوع ميرا استجابوا لطلباتها بتحويلها إلى شجرة, عرفت باسم شجرة اللبان المر " البلسم " وفرضوا على عشتروت أن تهتم بالطفل بعد ولادته , لأنها هي كانت وراء هذه القصة, وبعد تسعة أشهر انقسمت الشجرة , خرج منها أدون وارثا جمال والدته.

بعد ولادة أدونيس , وحسب الأسطورة الإغريقية , وصلت أفروديت واقتربت من الطفل , فانبهرت بجماله, حينها قررت إخفاءه عن عيون باقي الآلهة, فخبأته في صندوق , وعهدت به إلى " بيرسيفوني " ملكة الجحيم, وطالبتها بأن لا تنظر إلى محتواه, لكن الفضول استولى على الثانية, ففتحت الصندوق ووجدت أدونيس وفوجئت بوسامته, فقررت الأهتمام به ونقلته إلى قصرها, حيث ترعرع وأصبح شابا جميلا وفاتنا للغاية, لتقع بعشقه أيضا, عندما رجعت أفروديت وطالبت باسترجاع هذا الشاب رفضت الملكة التنازل عنه وتسليمه, فتنازعت الإلهتان , غضبت أفروديت وطلبت من كبير الآلهة زيوس بالتدخل , لكن زيوس ليتفادى فتح باب الحرب مع إحدى الإلهتين , طلب من الحورية " كاليوبي "  بالحكم عنه بينهن, فقضت الحورية بتجزئة السنة إلى ثلاث فترات, وكان على أدونس أن يقضي الأشهر الأربعة الأولى مع بيرسيفوني , وأربعة مع أفروديت, أما الثلث الأخير فيفعل ما يشاء ويقضيه اين شاء, نفذ أدونيس هذا الحكم , لكنه قرر قضاء وقت فراغه مع أفروديت.

كان أدونيس يحب الصيد, فقضى الكثير ممن الوقت لممارسة هوايته عندما كان بصحبه أفروديت, وغالبا ما تعتمد الإلهة مرافقته خوفا عليه ولحمايته أيضا , وخلال إحدى هذه الرحلات في منطقة " افقا " بالقرب من مدينة جبيل " بيبلوس " خرج أدونيس من دون مرافقه أفروديت " عشتروت " التي كانت متجهة نحو قبرص, ووقع على خنزي بري فأصابه بأحد رماحه من دون أن يقضي عليه, فهجم الخنزير بشراسه على أدونيس وجرحه جرحا عميقا في قدمه , إذ عانى أدونيس من جراحه , ووصل صوت أنينه إلى أذن عشيقته أفروديت, فسارعت بالعودة إلى جانب عشيقها , وحاولت إنقاذه دون جدوى , سالت دماء أدونيس على الأرض , واندمجت مع دموع الإلهة, فانبعثت زهرة حمراء من التراب وهي  " الشقار الإلكليلي " وسميت من بعدها بشقائق النعمان واستمر اندفاق دمه نحو النهر القريب الذي صبغت مياهه باللون الأحمر حتى مصبه في البحر المتوسط, فعرف النهر منذ ذلك الحين " بنهر أدونيس " وجرت التقاليد بإقامة طقوس دينية تذكارية لهذه الحادثة في كل بداية ربيع خلال تنظيم احتفالات كبيرة " الأدونيسيات ".

يمكن أن يكون موت الإله أدونيس مجرد حادث صيد, ولكن الروي القصصي يختلف حسب مصادر أخرى كانت وراء هذا الفعل والاختلاف وهناك بعض الروايات المتعلقة بهذه الحادثة تقول : أن " آريس " إله الحرب وأحد عشاق أفروديت التي هجرته, وقضت وقتها بين أحضان أدونيس الشاب عشيقها المحبوب تحول إلى خنزير بري وتعمد مهاجمة أدونيس.

وتقول أخرى : إن " ابولو " سعى للإنتقام من أفروديت بعد أن فقدت ابنه " هيرمانتوس " البصر , وهناك تفسير آخر يتصل ببيرسيفوني عقت اختبار ادونيس قضاء المزيد من الوقت من منافستها أفروديت التي قامت بتشجيع أدونيس ليتخلى عن هذه الهواية الخطرة دون التوصل إلى هذه النهاية المأساوية .

عرف ادونيس أيضا عن الرومان والإغريق, حيث كانت عشتروت, أفروديت وفينوس, أما بيرسيفوني فكانت " بروزربين " وآريس تحول إلى " مارس " وزيوس إلى " جوبتير ".

تقول الأسطور عند الرومان :

عندما ولد أدونيس استلمته الحوريات وربته في مغاور من جبال لبنان , بالقرب من منبع النهر الذي يعرف اليوم باسم " نهر أدونيس " أو " نهر إبراهيم " وأصبح أدونيس شابا باهر الجمال يتعشق الصيد , وكان يقضي جل وقته في غابات الأرز اللبنانية , إلى يوم رأته الإلهة فينوس , فسحرها بجماله , حيث تقربت منه ووقعا في قصه حب جميلة, تركت فينوس كل شيء وتبعت أدونيس في رحلاته, لتقدم رحيقها وجسدها لمعشوقها, وأمنت له الحماية ضد الأخطار في رحلات صيده هذه , فقد ارتبطت قصة موته برحلات صيده, وسببها كان وما يزال متعلقا بغيرة الآلهة , فكانت " ديانا " إلهة الصيد هي التي وضعت الخنير البري الشرس على طريق أدونيس للإنتقام من فينوس التي كانت وراء وفاة " هيبوليتوس " عشيقها .

وروى آخرون أن مارس إله الحرب وعشيق فينوس قد تحول إلى خنزير بري , وهاجم أدونيس وقتله بدافع الغيرة.

انتقل أدونيس إلى عالم الموتى, لتعاني فينوس وتتألم من موته محاولة إحياء عشيقها في الوقت نفسه , وهناك في عالم الموت رأت " بروزربين " ملكة العالم السفلي هذا الشاب الوسيم, فوقعت في حبائل عشقه , وممنعت فينوس من استعادته, طلبت فينوس من جوبتير رئيس مجمع الآلهة التدخل , فحكم هذا الأخير على أدونيس حسب الروي الإغريقي تجزئة السنة إلى ثلاث مراحل , هذا التقسيم يذكرنا بالمواسم المختلفة ودورة حياة الطبيعية , أربعة اشهر مع بروزبرين في الجحيم تمثل الموت أول فصل الشتاء, والباقي يجسد الحياة وولادة جديدة للطبيعة أو الربيع , من ثم الصيف والخريف, وهذا في الطبيعة المتوسطية أو حوض البحر المتوسط , والتي تعتبر متشابهة في دورتها الفصلية السنوية بوجود فصلين أساسيين هما الشتاء والصيف؟

عمت قصة أدونيس أركان العالم القديم, وتم رسمها عند كل حضارة حسب ما تتوافق معه وتختلف محافظة على جوهرها الأساسي في فكرة الربيع والصيف والخريف والشتاء , ولكنها تجتمع جميعها في جمالها السردي الأسطوري لعلاقتها مع ألهة الحب , ولأنها تمثل الولادة الجديدة للطبيعة , أو البرعم الأول في كل دورة فصلية جديدة , جرى العديد من الاحتفالات الدينية لذكرى أدونيس إذ كانت " الأدونيسيات " كما ذكرنا آنفا هي الأكثر شهرة, وقد أحيت في جميع المدن الفينيقية واليوانية وأيضا عند الرومان والقرطاجيين , لا سيما تلك التي كانت في مدينة جبيل الفينيقية.

تعليقات