طويـلــة الحـسا




طويلة هكذا كان يطلق عليها أبناء الخليج العربي ومنطقة نجد واشتهرت بها، حتى أطلق هذا الاسم على بقية اللاريات المختلفة الأخرى المتعامل بها في المنطقة، حيث كانت الأحساء تعد أحد المراكز التجارية والصناعية المهمة والمؤثرة شرق الجزيرة العربية.



وتصنف طويلة الحسا ضمن عائلة اللاريات، وهي عملة محلية لمنطقة الاحساء، تشبه الملقط، او المشبك، صنعت من الفضة أو من النحاس، وكان يطلق عليها اسم الطويلة. وقد احتفظت (الطويلة) بقيمتها بوصفها عملة متميزة إلى أن توقف التعامل بها، بعد أن قامت الدولة في بداية عهد الملك عبدالعزيز آل سعود بمعادلة الواحد منها بربع قرش سعودي. قبل التعامل بالطويلة كانت معاملة أهل الأحساء على ما يبدو بمثاقيل الذهب الأحمر, وكانت شائعة الاستخدام قبيل فترة استيلاء العثمانيين على لواء الأحساء وظل التعامل بها خلال الفترة وان كان محدوداً جداً، ويمكن الجزم أن استعمال الطويلة قد قل منذ عام 1266هـ / 1851م حيث حل محلها وبصفة رئيسية دولار ماريا تريزا النمساوي والذي عرف محلياً باسم الريال الفرانسة، يذكر الرحالة آر إي تشيزمان الذي زار الأحساء عام 1923م أنه استطاع الحصول على طويلتين بصعوبة لانقراضها ذلك الوقت وكانت تعادل بـ 85 طويلة للروبية الهندية، واستمر مصطلح الطويلة أو الطوال حتى بعد زوالها يطلق قياساً على بعض المسكوكات في بداية العهد السعودي منتصف القرن الميلادي الماضي.


لقد بدأ استخدام هذا النوع من المسكوكات في الخليج العربي مطلع القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي، ضربت من الفضة وأطلق عليها اسم لارية (larins) نسبة لمنطقة لار بسواحل فارس حيث كانت بدايتها ثم انتشرت على سواحل الخليج وامتدت لتصل لسواحل القارة الهندية، حيث توجد قطعة نقد لارية لإسماعيل شاه الصفوي (907هـ -930هـ/ 1503م- 1524م) ضرب كمرون، وملوك هرمز منذ حكم توران شاه (950- 970هـ/ 1543- 1563م) حيث سكت اللارية باسمه، وكذلك سواحل الهند حيث سكت بدابل منذ عام 986هـ وبيجابور وكذلك بسيلان، والتي عثر بها على مجموعة من اللاريات الفضة المختلفة غالبيتها قد ثنيت اطرافها بشكل دائري لتأخذ شكل علامة استفهام أطلق على هذا النوع من اللاريات اسم سنارة صيد السمك «fish hook» ، ثم سكها العثمانيون بعد قرن ونصف من احتلالهم البصرة (احتلال البصرة عام 954هـ) حيث سكت باسم سلطان سليمان خان (1099-1102هـ/1687-1691م) ونقش عليها أيضاً _ سلطان البرين وخاقان البحرين السلطان ابن السلطان _ ثم ضربت بالأحساء من معدن النحاس والفضة على يد العثمانيين وذلك لوجود اسم السلطان أحمد بن محمد خان (1115 - 1143هـ/ 1703 - 1730م) على أحد المسكوكات، كما عثر بجزر المالديف على هذا النوع من المسكوكات بطراز عثماني أيضاً، نقش عليها (سلطان البرين وخاقان البحرين)،  «كما أن هناك اشارة إلى اكتشاف جديد لمسكوكة الطويلة من بشاور»

اللاريات

إذاً فالمدن التي استخدمت اللارية تقع على خط تجاري وهي مدن ساحلية أو موانيء تجارية، وفي إقليم واحد على وجه التقريب وهي كمرون، هرمز، دابل، بيجابور، البصرة، الإحساء وميناؤها العقير، جزر المالديف و سيلان، بالإضافة إلى منطقة لار المنسوبة إليها هذه السكة، وبما أن لأغلب تلك المدن سكة خاصة بها ومختلفة عن الطويلة أو اللارية، فاللارية نقد وضع للتبادل التجاري فيما بينها لتسهيل وتفادي اضطراب الصرف، ويعزز هذا الرأي وحدة وزن اللارية في تلك المدن، اذ انها جميعاً ودون استثناء سكت من معدن الفضة بوزن 4.9 غرام، مما يدل على إتفاق لوحدة الوزن ونحن نعلم أن بداية سك هذا النوع من النقد يتزامن ودخول البرتغاليين لمنطقة الخليج عام 913هـ - 1507م، خاصة وأن دوافع الإحتلال البرتغالي كانت اقتصادية، لذلك فإنه من المحتمل أن يكون ذلك تكتلاً اقتصادياً اقليمياً لمواجهة النفوذ البرتغالي في المنطقة رغم اختلاف النفوذ السياسي لكل من تلك المدن والموانيء، وهناك ما يدعو للتساؤل عن عدم دخول البحرين والقطيف في نطاق المدن والموانئ الضاربة أو المستخدمة للارية أو الطويلة في معاملاتها التجارية على الرغم من تمتعهما بنفوذ تجاري قوي في المنطقة وتوسطها للأحساء والبصرة وسواحل فارس وكذلك العلاقة القوية بهرمز وحكامها، مع وجود إشارات بتعامل أهل القطيف باللارية في مرحلة مبكرة من عهدها كما تشير بعض الوثائق التي سنوردها لاحقاً.

مما يجدر ذكره أن اللارية في الخليج صنعت من الفضة الجيدة وأنها في الخليج وسيلان أفضل منها في سواحل الهند الغربية حيث بلغ وزنها 4.9 غرام، وتشير بعض المصادر أن من اللاريات ما سك من الذهب أيضاً ولكن لم نجد مايشير لذلك. 

طويلة الحسا

طويلة الحسا عبارة عن شريط رفيع من النحاس والفضة وأخرى من النحاس يبلغ طولها حوالي البوصة والنصف تثنى من الوسط ويطبق الطرفان لتأخذ شكل الملقط أو المشبك، منقوشة من الجانبين بزخارف وكتابات، وهذه النقوش متشابهة في الجانبين، وتضرب قبل الثني. 

كما يبدو أن أهل الأحساء برعوا في صناعة وضرب الطويلة النحاسية، فبدت أكثر دقة واتقاناً من اللارية الفضة. 

لقد تم اختيار عدد 14 نموذج لطويلة الحسا مما يعتقد أنها سكت بالأحساء من عدة مصادر، تم تصنيفها حسب الحجم والمعدن، اتضح خلالها أن هناك ثلاثة أشكال من الطويلة، خلاف الصنف السابق الذكر والذي ضرب بلار وسواحل الهند:-

الشكل الأول

وضربت من الفضة الممزوجة بالنحاس، بلغ وزنها قرابة 3.4 غرام وطولها حوالي 3.1 سم، تحتوي من الجانبين على نقوش أو كتابات غير واضحة، لم نتمكن من قراءتها، وهذا النوع أشار له الباحث ميشنر بأنه من ضرب السلطان العثماني أحمد بن محمد خان 1115 - 1143هـ، وكذلك أشار لها الدكتور القريني بأنها تسمى بطويلة آل عريعر.

نموذجان فقط لهذا النوع عثر عليها بميناء العقير.

الشكل الثاني

وضُربت من النحاس، بلغ وزن الواحد منها 4.28 - 5.04 غرام، وطول حوالي 4.7 سم، تحتوي على نقوش وكتابات متشابهة من الجانبين، قوامها زخارف هندسية ونباتية في وسطها كلمة واحدة غير واضحة المعنى بالرغم من جودة الضرب لكن كبر حجم الختم وصغر مساحة الضرب أدت إلى ذلك، وهي أقرب ماتشبه كلمة (تاج) أو كلمة (باج) التركية التي تعني الضريبة التي تفرض على البضائع القادمة إلى اللواء أو الإيالة سواء كانت من خارج الدولة العثمانية أم من الإيالات المجاورة, أما الزخارف فهي عبارة عن خطوط متوازية في الأطراف يليها خمس دوائر فوق بعض من الطرفين، قد نرى تأثير اللاري الهرمزي على نمط الزخارف الموجودة هنا.

تم رصد ستة نماذج من هذا النوع.

الشكل الثالث

وضربت من معدن النحاس أيضاً ومشابهة للسابقة من حيث النقش والأسلوب ولكن تختلف في الوزن والطول، حيث بلغ وزنها 3.58 - 3.92 غرام، وطولها حوالي 3.5 - 3.8 سم، وهي أقل وزناً من الشكل السابق بحوالي غرام واحد، وهذا يمثل نحو 25% من وزنها، وكذلك أقل طولاً بحوالي 1سم على وجه التقريب.

تم رصد 6 نماذج من هذا النوع. 

بالنسبة لمكان ضرب طويلة الحسا فلم نتمكن من العثور على أدلة أو وثائق عثمانية أو محلية تثبت سك هذه العملة في الأحساء لكننا نرجح أنها ضربت في الأحساء، يعود ذلك لاستخدام الموانىء والمدن التجارية السابقة الذكر لمعدن الفضة في ضرب اللارية بينما اقتصر استخدام سبيكة (النحاس + الفضة) ومعدن النحاس فقط في واحة الأحساء لضرب الطويلة، ويبدو أن هناك حاجة دعت إلى التحول من الفضة إلى النحاس والتي يمكن أن تعزى لضعف القوة الشرائية مما دعا إلى إيجاد فئات صغيرة للإستخدام المحلي وربما تجاوزت باستحياء لبعض المناطق المجاورة في الخليج ونجد.

الجانب التاريخي

قد تكون الوثائق الشرعية من حجج استحكام وخلافها، المصدر الاساسي لهذه الدراسة لتتبع العمق التاريخي لطويلة الحسا، حيث انها تتضمن القيمة المادية للعقار وكذلك نوع السكة المطلوبة، وهي وثيقة تملك وجب الاحتفاظ بها، لذا فقد حفظت لنا تلك المعاملات بعض المعلومات في تلك الحقبة من الزمن، حيث لم تسعفنا المعلومات المضروبة على جانبي السكة في الإهتداء لفترتها الزمنية لعدم وضوحها لضيق مساحة الضرب. 



تعليقات