لطالما أذهلتنا
الحضارات القديمة للإنسان بغموضها وألغازها التي عجز علماء التاريخ والآثار عن فك
طلاسمها وأسرارها, فمن حضارة وادي النيل إلى حضارة ما بين النهرين وصولا إلى
الحضارة الإغريقية ثم الرومانية وغيرها ظلت هذه الاسرار تختفي في ثنايا ما تركه
القدماء من رموز نقشت على جدران معابدهم وقصورهم التي شيدوها على مر الزمن.
ولكن دعونا نعود
بالزمن إلى الوراء اكثر قليلا, الى حضارات ما قبل التاريخ, أي حضارة الأنسان
البدائي, ونسأل انفسنا هل فعلا خلفت تلك الحضارات ما ستحق البحث والاعجاب؟ ام انها
مجرد حضارات بدائية لم يكن لها أي اسهام يذكر في كتابة تاريخ الانسان وتطورها؟.
لا بد ان انسان العصر
الحجري او كما نسميه انسان الكهوف قد ترك وراءه العديد من الإشارات التي دلتنا ولو
بشكل ضئيل على طريقة عيشة والبيئة التي أحاطت به في تلك العصور الغابرة, ولعل من
اشهر تلك الدلائل على استيطان الانسان الأول لبعض ارجاء هذا الكوكب في كهوف
الطاسيلي التي تقع في قلب الصحراء الكبرى الافريقية والتي تعد بحق احدى اكبر
الالغاز التي تركها الانسان العصر الحجري.
تقع كهوف الطاسيلي او
طاسيلي ناجر كما تدعى محليا الى الجنوب الشرقي من الجزائر على بعد حوالي 2000 كم
من العاصمة ضمن سلسلة جبلية ذات تكوين صخري بركاني وهي عبارة عن هضبة قاحلة ترتفع
بأكثرمن 2000 متر من سطح البحر ويبلغ عرضها من 50 الى 60 كم ويصل طولها الى 800
كم, وتغطي بالإجمال مساحة قدرها 12000 كم مربع, وتتكون كهوف الطاسيلي من تشكيلات
لصخور بركانية ورملية تبدو وكأنها اطلال قديمة بارزة وتعرف باسم الغابات الحجرية
يقدر علماء
المستحاثات ان الصحراء الكبرى التي تقع فيها كهوف الطاسيلي كانت عبارة عن مناطق
رطبة وعشبية وذلك خلال العصر الحجري الحديث الممتد ما بين 9000 إلى 2500 قبل
الميلاد حيث استوطنها البشر الأوائل وكانت حياتهم تعتمد بالدرجة الأولى على صيد
الحيوانات التي استوطنت بدورها تلك المناطق مثل الظباء والفيلة والزرافات وكذلك
النعام كما توافرت مساحات مائية من بيحرات وانها ساعدت الانسان على إنشاء بعض
المستوطنات البدائية اليت عاش فيها.
وبما ان الانسان كائن
اجتماعي بطبعة فقد ترك بعض النقوش والرسومات على جدران تلك الكهوف مخلدا بذلك طرق
واشكال الحياة البدائية التي كانت سائدة في ذلك العصر, وقد شهدت هذه الرسومات على
جدران الكهوف عدة مراحل زمنية ما دعا العلماء الى فتح نقاش حول تحديد تاريخ تلك
الرسومات واتفقوا على تقسيمها الى أربعة مراحل رئيسية يمكن تلخيصها فيما يلي :
للحقة البابلسية 5000
قبل الميلاد : وتسمى أيضا مرحلة الصيد البري اذ تتمحور النقوش والمكتشفة خلال هذه
الحقة على صور لبعض الحيوانات الضخمة مثل البقر الوحشي ووحيد القرن والضباء وفرس
النهر كما يظهر في تلك الرسوم لرجال مسلحين بالعصي والرماح اثناء القيام بعمليات
الصيد, و وجدت اغلب نقوش هذه المرحلة في منطقة واد جبيرات في الطاسيلي وكذا النقوش
في منطقة الماسك على الححود الجزائرية الليبية.
الحقبة البوفيدية
4500 قبل الميلاد الى 2500 قبل الميلاد : في هذه المرحلة بدء انسان الطاسيلي
باحتراف الرعي وتبة الحيوانات حيث وجدة رسومات تصور اشخاص مع قطعان الماشية
والمتمثلة في الأغنام
والماعز وبعض الحيوانات الأخرى, ووجدت اغلب
رسومات هذه الحقبة في منطقة الطاسيلي وبعض المواقع في جبال اكاكوس في ليبيا.
حقبة الخيول حوالي
1200 قبل الميلاد : ويعتقد ان الانسان خلال هذه المرحلة بدا تربية الخيول
واستخدمها في جر العربات بينت ذلك الرسومات التي عثر عليها والتي لم تكن بجودة
الرسومات في الحقب السابقة.
حقبة الجمال 1200 قبل
الميلاد : ويعتقد العلماء ان المنطقة شهدت عمليات تصحر واسعة خلال هذه الفترة فتم
استبدال الاحصنة بالجمال والتي بدأت صورها تظهر على جدران الكهوف في ذلك العصر.
في الحقيقة ان عمر
الرسومات الموجودة في كهوف الطاسيلي لا يزال محل جدل عميق بين علماء التاريخ, ففي
حين ترجع التقسيمات الزمنية التي ذكرناها آنفا عمرها الى حوالي 5000 قبل الميلاد
يذهب بعض العلماء الى القول ان عمرها يتجاوز اكث من 30 الف سنة, ولا تزال الأبحاث العلمية
جارية الى حد الساعة للتأكد من العمر الحقيقي لهذه النقوش التي حيرت العلماء.
ومن اكبر المغالطات
التاريخية التي حصلت في هذا الموضوع هو القول بان المكتب الأول لرسومات الطاسيلي
هو الباحث الفرنسي هنري لوط وهذا غير صحيح, فالمكتشف الحقيقي لهذه الكهوف هو رجل
من قبائل الطوارق يدعى جبرين اق محمد اق مشار اق
بو بكر و قد عاش بين عامي 1890 ألى 1981 ميلادي وهو من السكان الأصليين للمنطقة
وينتمى على قبيلة كيل مداك التي استوطنت المكان منذ القدم , وقد استغل المكتشف
الفرنسي الرسوم , واستفاد لوط من محدودية إمكانيات جبرين العلمية وعدم مقدرته على
القراءة والكتابة ونسب الاكتشاف لنفسه عندما الف كتابا نشره عام 1965 ميلادي
متجاهلا مساهمة جبرين الواضحة في صنع هذا الإنجاز, غير انه عاد واعترف بفضل جبرين
فيما بعد تحت ضغط الدولة الجزائية وبعض الأوساط العلمية في ذلك الوقت.
تعليقات
إرسال تعليق