حكومة الأمام علي

عندما تولى علي بن ابي طالب خلافة المسليمن بعد عثمان إتضحت في سيرته معالم الديمقراطية وضوحا مدهشا . ولعلنا لا نغالي اذا قلنا ان ديمقراطية هذا الرجل وصلت إلى دجة يعجز عن الوصول اليها كثير من حكام القرن العشرين.

وهو في الواقع آخر حاكم في تاريخ الاسلام انهالت العامة على بيعته طوعا واختيارا. وقد اشار هو في ذلك حيث قال " ان العامة لم تبياعني لسطلان غالب ولا لعرض حاضر " اما لاخاصة فقد بايعه معظمهم. وحين رفض بعضهم بيعته تركهم احرارا, فلم يجبر احدا منهم عليها, وانما خلى بينهم وبين ما أرادوا من الاعتزال , وقبل منهم ما قدموا من عذر, وقام دونهم منع الثائرين من ايصلوا اليهم.

والأعجب من هذا ان عبدالله ابن عمر أبى ان يبايع عليا ثم طلب الاذن بالسفر. فلما طولب بكفيل يكفله, أبى ان يأتي به, فقام الامام علي يكفله بنفسه. ولم يشهد التاريخ حاكما يكفل رجلا أبى بيعته ورفض ان يطيعه. ولتك لعمري آية من آيات الديمقراطية يعجز عن الأتيان بها كثير من الناس.

وكان علي جالسا بين أصحابه ذات يوم يتحدث اليهم فقال رجل من الخوارج يصف عليا : " قاتله الله كافرا ما افقهه " فوثب القوم ليقتلوه فقال علي : " رويدا انما هو سب أو عفو عن ذنب ".

ولو درسنا معاملة الامام علي للخوارج الذين كفروه وشتموه في وجهه وتآمروا عليه في عاصمته لرأينا فيها عبجا. فقد كان يتحمل منهم ذلك صابرا. فكان يعطيهم عطاءهم المفروض لهم ويجادلهم جدالا طويال لعلهم يتدارسون امرهم ويثوبون الى رشهدهم . ولم يقاتل منهم الا تلك الجماعة التي خرجت عليه بالسيف وقطعت طريق السابلة وأذاعت الذعر في الناس وقتلت عبدالله بن خباب من نسوة كن معه. فأرسل اليهم الامام رسولا يسألهم عن هذا الفساد فقتلوا الرسول ايضا. ولم يبدأ بقتالهم الا بعد ان استنفد جهده في محاجتهم وجدالهم, بالكتابة مرة وبالمشافهة أخرى.

ومما يلفت النظر في ديمقراطية الامام علي انه كان لا يذهب مذهب القدماء في عقيدة " الحاكم الالهي " انما كان يعتقد بان الحاحكم يجيب ان ينتخبه الناس وان الناس يستطيعون خلعه اذا ظلمهم أو جار في حكمه اياهم.

كتب الامام إلى معاية ذت مرة يقول : " انه بايعني القوم الذين بايعوا ابا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه, فلم يكن للشاهد ان يختار ولا للغائب ان يرد, وانما الشورى للمهاجرين والانصار, فان اجتمعوا على رجل وسموه اماما كان ذلك رضا, فان خرج عن امرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه الى ما خرج منه, فان أبى قاتلوه, على اتباعه غير سبيل المؤمنين, وولاه الله ما تولى "

وهنا قد يتعرض معترض فيقول كف جاز للامام علي ان يحصر امر الشورى في المهاجرين والأنصار. أليس لباقي المسلمين حق فيها؟ ان هذا اعتراض وجيه, ولكننا قبل ان نحاول الجواب عليه  يجب ان لا ننسى ان الاسلام كان آنذالك لا يزال في بدء ثورته. ومعنى هذا ان حكومته كانت اشبه بحكونة الثورة منها بحكومة عادية.

والمعروض عن الحكومات الثورية انها لا تقبل ان يساهم في تأليفها الا من نهضوا بها أول الأمر. وهي اذا سمحت لغير هؤلاء بالاندساس بين صفوفها فقد يتمكن خصومها من العمل على تحريفها أو تحويلها عن مبادئها الأولى. وهذه ظاهرة اجتماعية نلاحظ في تاريخ كل ثورة ديمقراطية. وقد اتضحت في تاريخ الثورة الفرنسية بشكل يلفت النظر.

تعليقات